لو قلنا أنه بودكاست حواري ونقطة على السطر، فلن تكفي نفيه حقه. فهو عبارة عن تعمق وتشعب في جزء من الخلطة السرية لنجاح دولة الإمارات في تحقيق ما حققته. نعم، فالضيوف في البودكاست هم وهنّ شخصيات إماراتية ناجحة من مختلف المجالات: ريادة الأعمال، علم النفس، الموسيقى، السرد القصصي، الكتابة، الرسم، إلخ.


يبدأ عبدالله المستريح حلقاته بطريقة عفوية: يقفل جهازه اللوحي ويتحدث إلى الضيف وتدور الحلقة واللعبة. أما الشخصية الأخرى التي تسمع صوتها خلف الكواليس فهي لشبيب، منتج الحلقات ومحركها كجندي مجهول لا يظهر أمام الكاميرا إلا قليلاً ولكن معلوم بدوره من خلال تحضيراته لكل حلقة.
وما يثري الحوار هو المصطلحات والعبارات الإماراتية المستعملة. فمثلاً: “يستريحون بتيهم الدلة” تعني أن “دورهم قادم” و”الآنا” هي عملة نقدية إماراتية قديمة و”أدز ويهي” تعني أن أتدخل أو أتطفل في أمر ما. فمن يرغب بزيادة قاموسه الإماراتي، عليه الاستماع إلى الحلقات، وإذا تعذر عليه فهم كلمة ما، فمن السهل التواصل مع أي إماراتي ليشرح له المعنى، وهذا بالضبط ما حدث معي. فخلال عمل فريقنا على ترجمة الحلقات، استعنت بمساعدة شبيب أكثر من مرة ليشرح لي بعض العبارات التي قد لا نسمعها كل يوم. وكلما قلت له: غلبتك يا صديقي اللوكال، يرد: حاضرين.
من جهة أخرى، يتميز محتوى البودكاست بالشمولية. فالحلقة تبدأ من نشأة الضيف، وأين عاش، وحديث عن بيت العائلة. محاور تنتقل مع الضيف من خلالها في رحلة تتخطى نشأته لتحط رحالك في الإمارات القديمة، ولا أقصد بكلمة قديمة مئات السنين من التاريخ، بل سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. فتدرك كم كان هذا المجتمع بسيط ومتقارب، وتتعرف أكثر على تقاليدهم وعاداتهم. ففي الفريج أولاد يلعبون وفي البيوت أمهات يعتبرنّ كل “الجهال” أو الأولاد أبناء وبنات لهن. فيمكن لأي ولد أن يفتح أي باب ويقول: أمي، أنا جائع فيجد له أماً ثانية تقدم له من ما يطلبه من قلبها. وستتخيل حدائق الخور وديرة محتضنة للعائلات الإماراتية التي كانت تصطحب أبناءها وبناتها للعب، قبل أن تسيطر علينا ألعاب الفيديو، وستدرك أن ملابس النساء سابقاً كانت ملونة وبلا برقع، وأن البيوت كانت متجاورة ومع تجاورها كان هناك مفهوم الجيران، وأن الجيل القديم كان يعشق القراءة ويغزو المكتبات بحثاً عن الكتب وغيرها الكثير.